لبنان ساحته مرتعا للعبة المصالح

لبنان ساحته مرتعا للعبة المصالح

لبنان ساحته مرتعا للعبة المصالح

يعتبر القانون الدولي العام أن “العلاقات الدولية وخصوصًا مع الدول المتعثرة هي عملية شديدة التعقيد والتشابك ” لأنّ الجمهوريات التي هي على مثال على مثال الجمهورية اللبنانية والتي تعاني من التفكك وعدم الإنتظام ضمن مؤثراتها الكثير من العوامل المعنوية والمصالح الخاصة منها المعلوم والغير معلوم تبقى عرضة لأي تدخلات من شأنها ما تكون على حساب المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية وأكبر مثال على ذلك واقع المؤسسات اللبنانية الرسمية وفي طليعة هذه المؤسسات وزارة الخارجية والمغتربين حيث لم يكن بإستطاعة وزرائها العمل من دون أخذ التوجيهات الصارمة من القوة التي تسيطر على الواقع العام في البلاد ، وهذا أمر في غاية الخطورة .

الأمور السياسية في هذا الإطار يشوبها الإلتباس في هذا السياق ، وغالبا ما نلاحظ كمغتربين وحتى كناشطين في الشأن العام صعوبة فهم لعبة التقاطعات ذات المصالح المحلية -–الإقليمية -–الدولية ،وما ينتج عنها في أغلب الأحيان إنتهاكا فاضحا للسيادة الوطنية وفي غالب الأمور أوصلت إلى حروب لم يتمكن لبنان من تحمل تبعاتها . إلتقيت مع دبلوماسي صديق كما تجري العادة مستفسرا عن حقيقة ما يحصل في جمهوريتي من حرب على أرض الجنوب فتمحور جوابه على الشكل التالي “أيها الصديق أنتم لستم أصحاب القرار في لبنان ولا يوجد تصنيف لساستكم سوى الإرتهان والتبعية والإستزلام لمحور معين ،ومن المعقول أن تجدون إختزالاً من قبل الدولة التي تُسيطر عليكم ومن البديهي أن تقرر عنكم . إنّ الصراع الدائر في لبنان هو نتيجة العمالة والتبعية ، لا بل هو عبارة عن مسرحية لا أكثر وتغيب عن أذهانكم معنى السيادة التامة المطلقة … كل ذلك هو نتاج ما فعلتموه أثناء الإنتخابات ، وأغتنم الفرصة لأسألكم : من الذي منعكم من الإعتراض على قانون الإنتخابات الذي أوصلكم على ما أنتم عليه ومن الذي يمنعكم من المطالبة بتعديله ؟ الجواب واضح أنتم شعب مغلوب على أمره ومحكوم بالسطوة الميليشياوية”.

من البديهي أنّ مصالح الدول تلتقي مع مصلحة بعض الدول التي تُمسك النظام اللبناني بالقبضة الحديدية وبكل مفاصل الدولة اللبنانية وفي هذا الإطار يُعاني الشعب اللبناني الويلات من هذه المصالح وليس الأمر من باب الصدفة أن تلتقي مصالح وعلى سبيل المثال (دولة إسرائيل مع النظام السوري ) وللتذكير ألم تسمح إسرائيل في تسعينات السنوات الماضية للنظام السوري من إنهاء حكم العماد عون على حساب السيادة الوطنية وإلتزام تطبيق إتفاق الطائف ،علما أن التطبيق السوري للإتفاق أتى على حساب مضمونه مما أحدث خللاً في الممارسة ومضمون الإتفاق وما زال لبنان يعاني منه لغاية اليوم .

حاليا تتسع مساحات تقاطعات الدول ( المجتمع الدولي واللاعب الأساسي في لبنان أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية بواسطة وكيلها في لبنان ) ، وعلى ما يبدو إمتدت زمنيا ومكانيا وفي لحظات تاريخية عابرة لأنّ مصالح هذه الدولة تتأمن من خلال سيطرتها على الأمور في دولة لبنان وبالتالي بإمكانها التفاوض وفرض الشروط وكل ذلك يتم بتحريك الوكيل الأصيل وشركائه في لبنان غب الطلب وعند الحاجة ووفقا للإمكانيات المتاحة وعلى ما يبدو إنها تمتلك أكثر من ورقة ومنها على سبيل المثال الإستحقاق الرئاسي ، وورقة ضغط قوية هي ورقة الجنوب اللبناني .

في لبنان نعاني للأسف من فهم وإستيعاب كل هذه التقاطعات والتشابكات في العلاقات بين من يسيطرون على الأرض ، كما إننا نعاني من معرفة دوافعها وأسبابها وعمقها ومداها ، وحتى بصريح العبارة إننا نعاني من عدم تدارك الدور الذي تؤدي إليه شبكة المصالح في السياسة . وأكبر مثال على ذلك نلاحظ أنّ الموفدين الدوليين يتغيّبون عن لقاء بعض المراجع في لبنان ومنها على سبيل المثال مثلا لا حصرا : البطريركية المارونية – قادة المعارضة – الفعاليات ، وعندما نسعى للمراجعة يأتينا الجواب من قبل بعض الدبلوماسيين “لقد راجعناهم وعلى ما يبدو لا يتقنون فهم الأمور ولا يمتلكون زمام المبادرة وحتى لا يمتلكون حس المسؤولية ولا يمتلكون شجاعة إتخاذ القرارات الحاسمة ومن هذا القبيل اللقاء معهم مضيعة للوقت” لتلك الأسباب وغيرها تبقى ساحة لبنان مرتعا للعبة المصالح .

 

 

الدكتور جيلبير المجبِّرْ

 

 

 

فرنسا في 16 أيلول 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *