الميليشيات وخطرها على الشعوب
وفقًا للعلوم العسكرية وللقوانين المرعية الإجراء تُعّد الميليشيات من أخطر الظواهر التي تشكل تهديدا أساسيا للأوطان وللشعوب وسائر المخلوقات ، لما لها من أثار سلبية على مختلف أوجه الحياة في البلدان التي تشهد هكذا نوع من المُسلحين ، وخطرها هذا يطال كل المجتمعات والقطاعات التنموية . يعود خطر تنامي الميليشيات إلى ضعف الوعي عند الشعوب وسيادة لغة العنف وتضاؤل لغة الحوار والدبلوماسية .
يعود تنامي الميليشيات أيضا إلى تهديد السلم الأهلي والإقليمي والدولي ما يؤدي إلى حروب والتدمير والقتل والتشريد ناهيك عن العائلات التي تتشرد وإقفال المدارس والجامعات ودور العبادة وقد يستعمل رجال الميليشيات دور العبادة والمستشفيات مراكز لهم لتخزين السلاح وللتخطيط لعمليات معينة تضر بالأمن القومي . ومن ثم تزداد الفوضى في كل الأماكن التي غالبا ما تتدمر لأن الميليشيا تأخذها مبنى محصنا لها لتنفيذ أجندة من يغطيها .
من أشد الخطورة في منظومة الميليشيات أن بعض الأنظمة التي لا تحترم الأصول الديمقراطية والعسكرية والعقائدية سمحت للعديد بدمج مقاتلي الميليشيات داخل مؤسساتها المدنية والعسكرية وبالتالي تصبح هذه الميليشيات أمرا واقعا في الدولة تتمتع بعلاقات وروابط قوية بين الدولة وبعض الدبلوماسيين بحكم وظيفتهم الحالية كما التوغل في كل دوائر الدولة والمؤسسات الحكومية … كل هذا يؤدي إلى توريط هذه الميليشيا الدول بمشاكلها وحكما يدفع ثمنها الفوضى والقتل والتشريد .
خطر هام لا يتداركه الحكام وهو ما تجنيه الميليشيات دخلاً غير شرعي من مصادر وأنشطة تجارية غالبا ما تكون غير شرعية وسيطرتها المتزايدة على مفاصل الدولة والمؤسسات الرسمية ، وفي طبيعة الحال تسعى هذه الميليشيات للسيطرة على مراكز القرار في الدولة حيث تحاول من خلال بعض القوانين ضخ أنصارها في الحكومة والمراكز التشريعية وحتى القضائية وإلى ما هنالك من مراكز في الدولة تحتكرها بأنصارها تحت ألف حجة وحجة .
من البديهي القول أن الميليشيات تشكل خطرا داهما على المؤسسات الأمنية داخل الدول ، وذلك من خلال خوضها حروبا ضد القوات المسلحة أو خارج الحدود ، وخطرها هذا يهدد النظام الديمقراطي لأنها تمتلك السلاح وتوزعه بين العامة وتسود لغة اللاقانون واللامسؤولية وتسود لغة شريعة الغاب وكلها أمور تزيد الأمور سوءًا وتعقيدا ناهيك عن الدمار الذي يحصل جرّاء إفتعال الحرب ، هذا مع العلم أن الميليشيا لا تتقيد بقانون الحرب والنزاعات .
حاولت بعض المجتمعات الفكرية مؤخرا مع بعض الدول وإستنادا لتقارير رسمية حل معضلة الميليشيات بدمجها في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ويعني دمج هذه الميليشيات في الجيش النظامي حصولها على المزيد من الخبرات والسلاح والمال وهذا أمر خطير والأخطر من ذلك هو أن الولاء يكون إلى الأحزاب والخارج والأيديولوجيات وليس للدولة التي تحتضن هؤلاء وهذا ما يرتب على الدول إضعاف مؤسساتها المدنية والعسكرية .
إلتقيت بأحد الضباط (ملحق عسكري ) تعرفت إليه في وطني لبنان وتطرقت وإياه عن هذا الموضوع فقال لي ” في وطنكم لبنان دمجتم الميليشيات بالمؤسسات الأمنية وهذا ما أفسدها وهدد نظامها وخرق التوازن فيها وهذه عيوب لم تتداركوها عمدا لأنّ المقصود لدى من يتولون السلطة إدخالهم إليها والسبب أن من يحكمكم هم قادة ميليشيات وبالتالي هم ملزمين بإدخال أنصارهم الى الدولة لكي يكسبوا ولائهم لهم ” .
يجب على الزعامات اللبنانية الحرة إصلاح القطاعات الأمنية ورسم خريطة للتخلص من منظومة الميليشيات ووضع إستراتيجية لنزع أي سلاح غير شرعي وحل وتفكيك أي ميليشيا تتواجد داخل دولة ذات سيادة ، هل من يعي أخطارها ويعمل على حلها ؟!!
الدكتور جيلبير المجبِّرْ
فرنسا في 22 تشرين الأول 2024