فيروز: الأم التي اختارت الصمت ليكون صوت الحب
بقلم الدكتور جيلبير المجبر
في عيد ميلاد فيروز، نقف أمام قامة لا تكرّرها الأزمان، وأمام أمومة اختصرت كل معاني التضحية في قرار واحد. ليست فيروز مجرد صوت صدح في سماء الفن وأضاء بحضوره عتمة الأرواح، بل هي امرأة اختارت أن تكون أماً قبل أن تكون نجمة.
فيروز، التي كانت قادرة على أن تترك بصمتها في كل زاوية من هذا العالم، نظرت يوماً إلى ابنها بعين الأم، واختارت أن تضع كل شيء جانباً من أجله. لم يكن ذلك قراراً عابراً، بل كان زلزالاً قلب كيانها وحوّل مسار حياتها من أضواء المسارح وهتافات الجماهير، إلى صمت البيوت وحنين اللحظات.
لم تكن فيروز بحاجة لأن تعلن عن قرارها، ولم تطلب التصفيق لتضحيتها. انسحبت بصمتٍ موجع، لكنها أثبتت أن صوت الأمومة أقوى من كل أصوات الأرض. تركت المجد، لا ضعفاً ولا تقاعساً، بل لأن المجد الحقيقي كان في عيني طفلها وفي احتضانها له في لحظة فارقة.
كم من القوة كانت تحملها تلك السيدة في قلبها لتقول “لا” للعالم كله، وتقول “نعم” لنداء قلبها؟ كم من الحب كان بوسعها أن تهب له دون أن تندم لحظة واحدة؟
يا فيروز، في صمتك دروس لكل من يلهث خلف الأضواء وينسى أن أعظم النجاحات تبدأ من القلب، من التضحية، من العائلة. فيروز لم تختر أن تكون أمًّا فقط، بل اختارت أن تكون أماً كاملة، بكل معاني الاحتواء والحب.
كل عام وأنتِ، يا سفيرة الحب، رمزاً للإنسان الذي يعلّمنا أن لا شيء يعلو فوق نداء الأمومة. كل عام وأنتِ درسٌ للأجيال، ليس فقط في الفن، بل في الحياة، في التضحية، وفي اختيار المعنى الأسمى للحب.
كل عام وأنتِ المنارة التي لا تنطفئ، والنغمة التي لا تفارق أرواحنا، والدرس الذي لن ننساه ما حيينا.