القضية اللبنانية وتأثيرها على الخيار القومي الوطني
لكل رجل سياسي عليه أن يعرف أنه لا يمكن إعتبار القضية اللبنانية وتجدد خطر الحروب على أرضها هي نتيجة أحداث هامشية مفبركة التي تشهدها بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، أو إنها وليدة التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة الدولية والتي قد تفضي إلى محاولة بتر أذرعة إيران في بعض مناطق نفوذها ، بل تعود جذور هذه القضية إلى ما بعد وثيقة الوفاق الوطني حيث حكمتْ طبقة سياسية فاسدة أي منذ توقيع الإتفاقية تحت الرعاية السورية مرورا بما بعد العام 2005 حيث دخل على الخط السياسي بعض ساسة إعتبرهم الرأي العام “ساسة شرفاء”، لكن واقع الحال أظهر أنهم أسوأ بكثير ممن كانوا في السلطة وصريح القول تقاسموا السلطة بكل مغانمها مع بعضهم البعض وأفلسوا شعبهم وإنتهكوا السيادة الوطنية .
لقد قسمت وثيقة الوفاق الوطني السلطة إلى مجموعات متناحرة تسرق ، تعيق العمل السياسي السليم ، تنتهك الاعراف الدستورية تهمل تطبيق القانون ، تتطاول على النظام الديمقراطي ، كل هذه الأمور كان لها التأثير السيء على واقع الجمهورية اللبنانية . من باب الإنصاف لم يقف أمام هذه التحديات سوى مجموعات صغيرة شبه منظمة حاولت السلطة بكل ما أوتيها من ظروف إلى إعتقال بعضها وضرب حضورها وتحجيمها وإقفال كل الأبواب أمامها لا لشيء إلاّ لتبقى مسيطرة على مقدرات البلاد ولكي تنعم بخيراتها .
هذه الأفعال السيئة المرتكبة من قبل النظام السياسي القائم خلافا لمبدأ الديمقراطية إضافة إلى المعاناة التي يتعرض لها شعب لبنان ، لم تخمد جذور النضال الوطني السليم للقضية اللبنانية كما السعي إلى إظهار الحقائق على ما هي عليه من سوء إدارة ونفوذ وإستغلال للسلطة . من هنا بالنسبة لنا تبرز القضية اللبنانية كواحدة من أهم القضايا في الشرق الأوسط والتي لا يعلو عليها أي قضية مع إحترامنا للشعب الفلسطيني ومعاناته ، ولكن القضية اللبنانية هي الأحق بالنسبة إلينا نحن المناضلون الشرفاء.
إننا كلبنانيين وأصحاب قضية محقة ، وإننا نعيش في شرق أوسط حساس جيوبوليتيكيا ، هذا مع العلم أن لكل دولة من الدول المحيطة بنا لها أهمية بالغة في الإستراتيجية الدولية ( سوريا – إيران – العراق – إسرائيل ) ، وإن لكل دولة أهمية خاصة وموقع شبه بارز في العلاقات الإقليمية – الدولية ، وللتعمق أكثر نلاحظ أن الجمهورية اللبنانية مستثناة من أي جهد لأنها جيّرت سيادتها للغريب وأضحتْ أرضها ساحات لتبادل الرسائل الدموية وها هي أرضنا وشعبنا ومؤسساتنا يدفعون الثمن الغالي تحت أنظر الجميع وما من أحد يتحرك لوقف هذه الحرب .
أمام هذه المخاطر لا بدّ لنا من إعتماد صيغة جديدة لمقاربة القضية اللبنانية بعيدا عن لغة التخوين والإتهامات التي يُطلقها مُبدعو السياسة الفاشلة لقرأة الأمور ولإيجاد المخارج القانونية – الدستورية والتي تتطلب مشاريع تحمل تحولات وتبدلات في بعض موازين القوى الداخلية والخارجية … هناك خلاف دائم بين اللبنانيين على مقاربة واقع الأزمة اللبنانية ولكي تكون مقاربة قانونية – شرعية – موضوعية على كل سياسي البحث في عمق ومخاطر هذه الأزمة لأنها أزمة من صنع ساسة عملاء فاشلين مرتهنين للخارج ، وأي بحث من خلال هؤلاء العملاء سيكون حتما فاشلا لأن العميل لا تهمه مصلحة بلاده ولا مصلحة شعبه بل يسعى سعيا دؤوبا لمصلحة الغريب وأكبر دليل ما نحن عليه .
إنّ التطورات الدراماتيكية الكبيرة التي تشهدها الساحة اللبنانية قد يؤدي إلى حرب واسعة مدمرة تنعكس سلبا على وطننا لبنان وفي هذا الإطار يجب السعي إلى وقف هذه الحرب التي دمرت كل مقومات الصمود وقضت على القضية اللبنانية ومن هذا المنطلق نسعى مع كل الأصدقاء هنا في أوروبا والمجتمع الدولي إلى إبراز أحقية قضيتنا اللبنانية وذلك من خلال تحرير الإرادة اللبنانية من تأثيرات الساسة العملاء وإنتهاج سياسة جديدة قوامها المؤسسات اللبنانية الشرعية من مدنية وعسكرية .
الدكتور جيلبير المجبِّرْ
فرنسا في 23 تشرين الأول 2024