دائرة العلاقات السياسية – قسم الإعلام

المتغيرات السياسية وأثرها على بلدان الشرق الأوسط

في المطلق نعتبر كناشطين في الشأن الوطني والعام أنّ السيادة الوطنية لأي دولة هي مطلقة في الداخل والخارج وبالتالي تمتلك هذه الدولة سلطة الهيمنة القانونية على أرضها وحدودها المعترف بها دوليا ولا يُشاركها في مبدأ السيادة أي دولة ، وهي حكما مستقلة عن أي نظام سياسي إقليمي أو دولي . وإنّ السيادة تُعّدْ أعلى درجات السلطة التي تُمارس لحفظ النظام وتنظيم الأمور على المستوى الداخلي والخارجي عبر سلطة محلية تقوم بواجبها الوطني من خلال مندرجات دستورها ، أما فيما خص علاقاتها الدولية فهي ملزمة في التعاطي مع الدول عبر وزارة الخارجية لكلا البلدين ، وعكس ذلك أي النقيض يكون عدم إحترام القانون والدستور من قبل السلطة التي تمارس النظام .

التصدُّع في دول الشرق المتوسط أسبابه خارجية وأصبحت الشعوب ضحية الأنظمة السياسية منها الدكتاتورية والشبه ديمراطية والتوتاليتارية وكل هذه الأمور أصبحت أمرا واقعا لأنّ الأنظمة القائمة في دول شرق المتوسط هي على ما يبدو أنظمة إلى حدٍ ما عميلة في خياراتها لأنها حتما تمثل خيار الخارج وليس خيار شعوبها ومصالحها . الكثير من الإضطرابات تحصل في بلدان الشرق المتوسط وغالبا ما تحاول بعض الدول وعلى سبيل المثال جامعة الدول العربية التي تُعتبر معنية بكون هذه الدول تتشارك في عضويتها وتلتزم مبادئها ولكن تدخلها يبقى خجولا لا بل محدودا لأنها غير قادرة على الحسم ولا تملك وسائل الضغط كما يلزم .

في فلسطين ، سوريا ، لبنان ، العراق ، اليمن تعاظمت الإضطرابات وإستعرت الحروب وكان من الصعب تطبيق القرارات الدولية في هذه المراحل ، وقد تعذرت الوسائل الدبلوماسية عن كبح جماح الحروب التي غذتها طوال سنوات تدخلات خارجية تخالف ميثاقي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة . ما حدث في هذه الدول مرده إلى سوء ممارسة النظام وعدم وعي القادة المسؤولين الرسميين ومعاونيهم ، ولم يتعظوا من التجارب السابقة والتي عانوا منها والتي أوصلت بلدانهم إلى الحضيض .

في فلسطين ، سوريا ، لبنان ، العراق ، اليمن ، يعّد مفهوم السيادة أمر ثانوي وهو مفهوم لم يؤخذ بعين الإعتبار في علاقات هذه الدول مع المجتمع الدولي فتحوّلوا عبئا على المجتمعات العربية والدولية وأضحوا محركين لمجمل التفاعلات التي مارسها نظام إقليمي من حيث توزيع القوة والسلاح وكل المصادر المختلفة التي لا تنسجم مع واقع القوانين المرعية الإجراء … كل هذه السياسات التي كانت قائمة على الحروب وتعريض الشعوب للأخطار والإستمرار في الفوضى حاول الطرف الإقليمي توظيفها في تحقيق أجندته في البيئتين العربية والدولية … وهذه التدخلات شكلت الهاجس الذي دفع المجتمع الدولي إلى إمتلاك أوامر الإنقضاض على النظام السياسي في سوريا بسرعة ملفتة وسيُحاول الإمتداد إلى لبنان والعراق من أجل الحفاظ على الإستقرار الداخلي في هذه الدول وعلى الإستقرار الإقليمي بين هذه الدول ، كي لا تبقى أمور هذه الدول مستمرة في ظل بيئة إقليمية تصارعية .

إنّ ما ستشهده بلدان الشرق الأوسط من تغيرات وتحولات في مفهوم العمل السياسي – الأمني – الدبلوماسي وما سيرافقها من تطورات سياسية – إقتصادية – مالية – تجارية – إنمائية – ثقافية – تكنولوجية علمية – سيؤدي حتما إلى الإنتقال من مفهوم التبعية والإرتهان إلى ممارسة جزء من الديمقراطية . نقول جزء من الديمقراطية لأنّ بعض شعوب هذه الدول تعودت على نمط دكتاتوري وتعايشت معه وحتى تأقلمت مع مفاعيله ، وعلينا التذكير أن أغلبية الدول المُشار إليها ( بلدان الشرق المتوسط ) للاسف تفتقر لحالة الوعي الفكري ولن نخفي سرا إنها تعودت على طبقة سياسية موروثة تتوالد من نفس الرحم ، رحم الرياء والحيلة والبيع والإرتهان أي بما معناه البيئة التقليدية التي لا يمكن أن تتجدد في هذه الحالات .

المتغيرات السياسية وأثرها على بلدان الشرق الأوسط إنْ لم توّلد المحفزات والمسببات الديمقراطية للإنتقال من العنجهية السياسية إلى الديمقراطية سنكون أمام أمر واقع مؤسف وحكما علينا في هذا المتوسط العمل على تنمية الفكر والتركيز على الثقافة والقيم السياسية الداخلية والخارجية .

إنّ المتغيرات التي ستحصل بدءًا من سوريا يجب أن تؤدي إلى مردود إيجابي على المستوى النوعي لرجال السياسة في إدارة الدول التي كانت تخضع لأنظمة بائدة . كما أن المتغيرات التي ستحصل سيكون لها أثار إيجابية لدى الجغرافية السياسية لهذه الدول لأنها لم تعد دول منكمشة على ذاتها ، وإنما دول تتفاعل ضمن أطر الحرية والديمقراطية العلمية ، وستبرز كلاعب فاعل جديد على المسرحين العربي الإقليمي والدولي ، وستتعاظم أدوراها في تفاعلات عربية – عربية ، وعربية – خارجية دولية .

 

 

المتغيرات السياسية وأثرها على بلدان الشرق الأوسط ستجعل من هذه الدول التي كانت مرتهنة وتابعة إلى دول تتزاحم فكريا وتتنافس في وظائف جمة من خلال إستراتيجيات وخطط ومصالح مشتركة التي ستتجاوز الحدود والزمان والمكان وستكون في مستوى دول العالم الحر المنتج . بشكل أوضح أن أي سياسة تقليدية إرتهانية بات أمر ميأوس منه لذا المطلوب وسائل جديدة أكثر ديمقراطية وفاعلية وأسرع زمنا وحرية في تحقيق الأهداف لبناء هذه الدول … المهم أن ندرك قرأة المتغيرات ونحولها إلى الأحسن والأفضل .

 

الدكتور جيلبير المجبِّرْ

 

 

 

فرنسا في 9 كانون الأول 2024